قصة الباوهاوس من البداية للنهاية

تأسست الباوهاوس في عام 1919 في مدينة فايمار-ألمانيا من قبل المهندس المعماري الألماني والتر غروبيوس (1883-1969). وكان هدفها الأساسي : إعادة تصور العالم المادي ليعكس وحدة كل الفنون. شرح غروبيوس هذه الرؤية لنقابة الفن والتصميم في إعلان الباوهاوس (1919)، الذي وصف فيه نقابة حرفية مثالية تجمع بين العمارة والنحت والرسم في تعبير إبداعي واحد. وضع غروبيوس مناهج قائمة على الحرفية التي من شأنها أن تحول الحرفيين والمصممين ،القادرين على خلق الأجسام المفيدة والجميلة و المناسبة، إلى هذا النظام الجديد من المعيشة.

تجمع الباوهاوس عناصر كل من الفنون الجميلة والثقافة التصميمية. يبدأ المنهاج بدورة تمهيدية تغمر  الطلاب الذين جاءوا من مجموعة متنوعة من الخلفيات الاجتماعية والتعليمية في دراسة المواد ونظرية الألوان والعلاقات الرسمية استعدادا لدراسات أكثر تخصصا. هذه الدورة التمهيدية كانت تدرس في كثير من الأحيان من قبل فنانين تشكيليين، بما في ذلك بول كلي، فاسيلي كاندينسكي، وجوسيف ألبرز، و آخرين.

بعد انغماسهم في نظرية الباوهاوس، يدخل الطلاب ورش عمل متخصصة، تشمل أعمال المعادن، وصناعة الخزائن، والنسيج، والفخار، والطباعة، والرسم على الجدران. على الرغم من أن الهدف الأولي لغروبيوس كان توحيد الفنون من خلال الحرفية، إلا أن هذا النهج أثبت أنه غير عملي من الناحية المالية. لذلك و مع الحفاظ على التركيز على الحرف، أعاد تحديد أهداف الباوهاوس في عام 1923، مؤكدا على أهمية التصميم بالجملة. وفي هذا الوقت اعتمدت المدرسة شعار “الفن في الصناعة”.

في عام 1925، انتقلت الباوهاوس من فايمار إلى ديساو، حيث صمم غروبيوس مبنى جديد لإيواء المدرسة. هذا المبنى يحتوي على العديد من الميزات التي أصبحت في وقت لاحق السمات المميزة لعمارة الحداثة، بما في ذلك الانشائ الاطاري المعدني، والجدران الساترة الزجاجية، والمساقط الغير متناظرة، والتي قام غروبيوس فيها بتوزيع الاستوديوهات، والفصول الدراسية، والفضاء الإداري بأكبر قدر من الكفاءة والمنطق المكاني.


“الفن في الصناعة”


وكانت ورشة عمل الخزائن واحدة من أكثر الورشات شعبية في الباوهاوس. تحت إشراف مارسيل بريور من 1924 إلى 1928، هذا الاستوديو أعاد النظر في جوهر الأثاث، وغالبا ما سعى إلى نزع الطابع المادي للأشكال التقليدية مثل الكراسي إلى الحد الأدنى من وجودها. و رأى بريور أن الكراسي في نهاية المطاف سوف تختفي، و يتم استبدالها بأعمدة داعمة أو بالهواء. و قام باستيحاء تصاميم لكراسي معدنية من الأنابيب الداعمة لدراجته الهوائية، في نهاية المطاف أنتج كراسي خفيفة الوزن و عملية و يتم انتاجها بالجملة. وتم نشر بعض هذه الكراسي في مسرح مبنى ديساو.

أما ورشة النسيج، وخصوصا تحت إشراف المصمم و النساج غونتا شتولزل (1897-1983)، فقد خلقت منسوجات مجردة مناسبة للاستخدام في بيئات الباوهاوس. يدرس الطلاب فيها نظرية الألوان والتصميم وكذلك الجوانب التقنية للنسيج. شجع شتولزل التجربة مع المواد غير التقليدية، بما في ذلك السيلوفان، الألياف الزجاجية، والمعادن. وكانت الأقمشة  المنتجة من ورشة النسيج هذه ناجحة تجاريا، وتوفر الأموال الحيوية والتي كانت الباوهاوس وقتها بحاجة إليها. زينت المنسوجات جنبا إلى جنب مع لوحات الحائط المعمارية،المساحات الداخلية من المباني في الباوهاوس، وقامت بتوفير الاهتمام البصري المتعدد الألوان لهذه المساحات. ورغم أن ورشات النسيج تألفت في المقام الأول من النساء، إلا أن ذلك يرجع جزئيا إلى عدم تشجيعهن على المشاركة في مجالات أخرى. وقد دربت ورشة العمل عددا من الفنانين البارزين في مجال النسيج، بما في ذلك آني ألبرس (1899-1994)، التي واصلت العمل في المنسوجات الحديثة و الكتابة عنها طوال حياتها.

وكانت أعمال المعادن ورشة عمل شعبية أخرى في الباوهاوس، جنباً إلى جنب مع ورشة عمل الخزائن، هما الأكثر نجاحاً في تطوير نماذج التصميم بالجملة. في هذا الاستوديو، قام مصممون من أمقال ماريان برانت و ويلهلم واجنفيلد، و كريستيان ديل بتصميم عناصر جميلة وحديثة مثل تركيبات الإضاءة وأدوات المائدة. في بعض الأحيان، تم استخدام هذه العناصر في الحرم الجامعي في الباوهاوس نفسها. وأضاءت المصابيح المصممة في متجر المعدن مبنى الباوهاوس وبعض مساكن أعضاء الهيئة التدريسية. كانت “برانت” أول امرأة تحضر ورشة أعمال المعادن، وحلت لاحقاً محل “لازلو موهولي ناجي” مديرة للاستوديو في عام 1928. وأصبحت العديد من تصاميمها تعبيراً مبدعأً عن جمالية الباوهاوس. إن ابريق الشاي الهندسي النحاسي والعاجي،والذي لم يتم إنتاجه على الإطلاق، يعكس تأثير معلمها “موهولي ناجي” عليها وتركيز الباوهاوس على الأشكال الصناعية. وقد تم تصميمه مع إيلاء اهتمام دقيق إلى الوظيفة وسهولة الاستخدام، من الصنبور المضاد للتسريب إلى مقبض خشب الأبنوس المقاوم للحرارة.

أصبحت ورشة الطباعة(و التي لم تكن في البداية أولوية في الباوهاوس) ذات أهمية متزايدة بوجود أمثال “موهولي ناجي” ومصمم الرسوم “هربرت باير” . في الباوهاوس، كان ينظر إلى الطباعة على أنها وسيلة تجريبية للاتصال والتعبير الفني، مع التشديد على الوضوح البصري قبل كل شيء. في الوقت نفسه، أصبحت الطباعة مرتبطة بشكل متزايد بهوية الشركة والإعلان. المواد الترويجية التي أعدت للباوهاوس في ورشة العمل، مع استخدامها لخط sans serif وإدراج التصوير كعنصر رئيسي في الرسم، بمثابة الرموز البصرية للمؤسسة الطليعية(الباوهاوس).


 


غروبيوس تنحى عن منصبه كمدير للباوهاوس في عام 1928، خلفه المهندس المعماري هانز ماير (1889-1954). حافظ ماير على التركيز على التصميم بالجملة، وأزال أجزاء من المناهج الدراسية التي كان يرى أنها مفرطة الشكلية في الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، شدد على الوظيفة الاجتماعية للهندسة المعمارية والتصميم، لصالح الاهتمام بالصالح العام بدلا من الرفاهية الخاصة. واصل الإعلان والتصوير الفوتوغرافي اكتساب مكانة بارزة تحت قيادته.

تحت ضغط من حكومة بلدية يمينية متزايدة، استقال ماير من ادارة الباوهاوس في عام 1930. و حل محله المهندس المعماري “لودفيج ميس فان دير روه”. قام “ميس” مرة أخرى بإعادة تشكيل المناهج الدراسية، مع زيادة التركيز على الهندسة المعمارية. وتولّت “ليلى رايش” السيطرة على قسم التصميم الداخلي الجديد. وشملت الأقسام الأخرى النسيج والتصوير الفوتوغرافي والفنون الجميلة والبناء. أدى الوضع السياسي غير المستقر على نحو متزايد في ألمانيا، جنبا إلى جنب مع الوضع المالي المحفوف بالمخاطر للباوهاوس، إلى نقل ميس المدرسة إلى برلين في عام 1930، حيث كانت تعمل على نطاق منخفض. وقد أغلقت في نهاية المطاف تماماً في عام 1933.

خلال السنوات المضطربة والخطيرة من الحرب العالمية الثانية، هاجر العديد من الشخصيات الباوهاوس الرئيسية إلى الولايات المتحدة، حيث أثرت أعمالهم وفلسفاتهم في  التدريس على أجيال من المهندسين المعماريين الشباب والمصممين. بريور و غروبيوس قاما بالتدريس في جامعة هارفارد، جوزيف وآني ألبيرز في كلية الجبل الأسود، وبعد ذلك درس جوزيف في جامعة ييل. أنشأ موهولي ناجي الباوهاوس الجديد في شيكاغو في عام 1937. و صمم ميس فان دير روه الحرم الجامعي في معهد إلينوي للتكنولوجيا و قام بالتدريس فيه أيضاً.


مقالة مترجمة للباحثة ” ألكساندرا غريفيث وينتون”
تاريخ النشر الأصلي 2007
النسخة الانكليزية للمقال من هنا

قد يغجبك أيضاً

أسس مدرسة الباوهاوس

أضف تعليق